القائد الفذ وحبيب الشهداء
نرفع الأشرعة لتمضي سفينة الجهاد من موانئ المجاهدين في أرض فلسطين المباركة تشق طريقها وسط هذه الأمواج المتلاطمة متزودة بالإيمان الوافر و متسلحة بعزيمة الرجال .. وكلما ازداد الليل ظلمة ارتقى، صنديد ليضيء الدرب للآخرين، فارسنا من عرفه أدرك أن هذا الشخص من طراز فريد، عرفه رفقائه فقالوا
من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على الأرض فلينظر إلى أبي أحمد) موعدنا من سيرة بطل لطالما أحب لقاء الله فأحب الله لقائه..
من هو عماد
أبصر شهيدنا النور في التاسع و العشرين من مارس لعام أربع و سبعون وتسعمائة و ألف في حي الدرج وترعرع في بيت متدين ربى أبناءه على التربية الإسلامية و زرع في نفوسهم حب الجهاد و الفداء، عاش أبو أحمد في كنف والديه وقد أسلفهم الرعاية والحنان فكان أهلاً للفوز برضاهم ومحبتهم ، لم يكن الأكبر وسط إخوته إلا أنه كان الأكثر إيجابية ومبادرة فكان وبشهادة جميع إخوته رجل البيت بل و المربي و المعلم كما وصفه إخوانه، متزوج و أب لأربعة أبناء، أوصى الجميع في وصية الشهادة بأن يشملوهم بالرعاية و أن يسيروا على نفس الدرب الذي سلكه أبيهم
صفاته
تميز أبو أحمد بجرأته و شجاعته في المواجهات و التصدي لقوات الاحتلال الإسرائيلية و قد اعتقل في الانتفاضة الأولى على خلفية اتهامه بمساعدة ابن عمته الأسير المجاهد : أشرف البعلوجي ذلك البطل الذي أهدى حماس في ذكرى انطلاقتها الثالثة عملية الطعن الجريئة في قلب الكيان الصهيوني المسخ.
عرف الشهيد عماد شبانة بحسن معاملته لجيرانه.. حتى أنهم اجتمعوا جميعاً على محبته..وكيف لا يحبوه و هو الجار الودود المرح الذي لا تفارق الابتسامة شفاه رغم ما يعلو وجهه من حزم و قوة في الحق.
الالتحاق بركب الدعوة
وفي العام 1996م و إبان الهجمة الشرسة التي تعرضت لها حركة المقاومة الإسلامية حماس من قبل الأجهزة الأمنية في السلطة الفلسطينية، أثر في نفسه كثيرا طريقة تعامل حماس مع هذه القضية حتى أيقن في قرارة نفسه أن الحركة التي تثبت وسط سيل الابتلاءات و المحن لابد أن تكون على الحق، وبعد دخول الانتفاضة الثانية تاريخ شعبنا الفلسطيني و ميلاد فجر جديد ذلك الفجر نهض فارسنا مبكرا ليبدأ مشواره الإيماني من المساجد لينخرط عماد في صفوف أبناء حركة المقاومة الإسلامية حماس و تدرج فارسنا ضمن صفوف الحركة فأبدع في المجال الدعوي و شارك في الكثير من النشاطات الدعوية فكان محفظاً لكتاب الله في مركز التحفيظ التابع لمسجد الرضوان ثم مديراً لهذا المركز فأكساه الله ببركة كتابه ثوب من العزة و الفخار ، كما عمل كأمير للمراحل داخل أروقة مسجده العامر، و شارك في الكثير من النشاطات الدعوية و الجماهيرية الأخرى.
في صفوف القسام
وفي العام 2001م امتطى فارسنا صهوة الجهاد في سبيل الله و قد مكن الله له فكان في كتائب الشهيد عز الدين القسام و قد جند للجهاد على يد القائد الشهيد :وائل نصار " أبا المعتصم " ، و عمل في بدية مشواره الجهادي في منطقة الزيتون وقد تميزت هذه المنطقة بالسخونة الدائمة و العمل الجهادي الغير منقطع لكثرة ما تعرضت له من اعتداءات و اجتياحات صهيونية فأبدع أبا أحمد في مواجهة الاحتلال وراح ينصب العبوات بلا كلل أو ملل في مناطق الرباط على الثغور، حتى إذا ما اجتاحت دبابات الاحتلال المتعجرفة شوارع غزة و الشمال كان أبو أحمد لها بالمرصاد يدمر مجنزراتهم بعزيمة الرجال الموشحين بلا إله إلا الله نبراساً يزين صدروهم.
لمحة من جهاده
و في هذه المرحلة كثرت تحركات أبا أحمد، ونتيجة لقيام قوات الاحتلال الصهيونية باستهداف المجاهدين عبر قصف سياراتهم ، فكان من الصعب عليه التنقل بين منطقة الرضوان محل سكنه إلى منطقة الزيتون ميدان جهاده ، فانتقل بعمله إلى حي الشيخ رضوان ليكون وسط إخوانه المجاهدين ، و بعد استشهاد رفيق دربه القائد الميداني في كتائب القسام: همام أبو العمرين تسلم أبو أحمد راية القائد الميداني فأبدع القيادة، كما شارك أبو أحمد في عدة عمليات استشهادية عن طريق تأمين الطريق للاستشهادي وتوصيله إلى حيث الهدف المنشود، كما شارك في الإعداد للعديد من الدورات العسكرية المختلفة لجنود القسام الميامين.
كما شارك فارسنا في عمليات ضرب الصواريخ و قذائف الهاون على معظم المستوطنات في غزة و الشمال و على المعسكرات العسكرية لقوات الاحتلال في ايرز وناحال العوز.
أحد قادة التصنيع
وهو أحد العاملين في وحدة التصنيع في كتائب القسام حيث كان له باع طويل في مجال تصنيع الهاون والياسين، ليتوج في آخر أعماله مسئول وحد المدفعية في كتيبة الرضوان وقد أصبح المجاهد عماد شبانة من امهر المجاهدين في هذا التخصص.
و قد تدرج أبا أحمد في العمل الجهادي حتى وصل إلى مراتب متقدمة و لكن هذه المرتبة المتقدمة تعني عند أبي أحمد العمل الدءوب و التضحية و الفداء و بلا حدود و على قدر أهل العزم تؤتى العزائم.
فقد كان فارسنا من خير العاملين بل من أفضل العابدين، فخير عبادة أن يتعبد الإنسان بالرباط على الثغور و الدفاع عن شرف هذه الأمة هو و إخوانه المجاهدين من أبناء كتائب الشهيد عز الدين القسام.
فالله يعرفهم أنصار دعوته والناس تعرفهـم للخيـر أعوانـا
والليل يعرفهم قوام هجمته والحرب تعرفهم في الروع فرسانا
فهكذا استقبلنا رسالة أبا أحمد كتب معالمها بجهاده و أدرك حقيقة واحدة هو أن كل ذرة من تراب فلسطين جديرة بأن نستشهد من أجلها.
هكذا عرفنا أبا أحمد جذوة متقدة من العمل و النشاط لا يكل ولا يمل لم يقعده شيء عن القيام بالجهاد في سبيل الله ولا ارتقاء ابنته البكر جيلان ، بل مضى مسرعا يحث الخطى ولسان حاله يقول " عجلت إليك ربي لترضى ".
فما أن تصدر التعليمات حتى يهب أبا أحمد كالعاصفة يلبس جعبته و يمتشق سلاحه ويعد مدفعه ويمضي.. ليدكهم في حصونهم بقذائف الهاون وصواريخ القسام فأي أرض تقلهم و أي سماء تظلهم و قد جاءهم الموت من حيث يحتسبون ومن حيث لا يحتسبون.
حبيب الشهداء
إلا أن فارسنا كان تواقاً للشهادة في سبيل الله يعمل لها ليل نهار بلا كلل أو ملل، يحزن كثيراً عندما يرتقي رفقاء دربه في الجهاد أمثال الشهيد: طراد الجمال والشهيد همام أبو العمرين وجندل القسام حسن أبو وطفة و أسد الخاصة الشهيد : جابر الشنتف و حبيب قلبه الشهيد سامي الزبدة ورفيق الدرب عماد أبو قادوس وغيرهم كثير هم الذين شاركوه جهاده في سبيل الله ويندب حظه بحزن ويستعجل الرحيل ، شوق للشهادة فيزداد عمله من أجلها ، كل يوم يمضي و أبو أحمد على هذه الثرى يزداد شوقاً للجنان وزهداً في الدنيا و يستعجل وعده المنشود كيف لا يستعجل وهو العارف بأن البيع قد جرى و أن الله قد اشترى و أن الصفقة الجنة .
لقاء الأحبة
وفي يوم الخميس 17/5/2007م و بعد توديعه للشهيد المغدور : محمد الدلو" أبو صهيب" وقف أبا أحمد على قبر ابنته جيلان برهة من الزمن وكأنه يقول لها " قادم يا ابنتي " و بعدها أخذ يسلم على رفاقه ويطيل النظر إليهم و كأنه الوداع.
و بعدها ذهب.. لا لكي يستريح بل ليمارس جهاده و يقوم بالمهام الجهادية المكلف بها و توزيع التعليمات على مقاتلي القسام .
وبعدها..و التحديد في شارع الجلاء سيارة بيضاء اللون تستهدف بصاروخين حارقين من طائرة استطلاع صهيونية حاقدة ليعلن بعدها على الملأ أن المستهدف هو حبيب القلوب: المجاهد عماد شبانة القيادي في كتائب القسام ليصاب جسده الطاهر بحروق شديدة ارتقى على أثرها شهيداً بعد الإصابة بعشرة أيام فقد صدق الله فصدقه الله.
و كأنه العرس وفي موكب بهيج أقبلت الوفود المهنئة من شتى بقاع قطاع غزة لتشارك في زفاف الشهيد : عماد شبانة و كل منهم يحمل في ذاكرته له البطولات تلو البطولات ..و لسان حالهم يقول مات كما كان يتمنى.
لله درك يا أبا أحمد أردت أن تكتب بمداد دمائك الطاهرة للتاريخ كلمات بلغة لا يفهمها إلا من سار على نفس الدرب ، اليوم نقف شاهدين على مرحلة كنت أنت أسدها .
هذا عهدنا أبا أحمد بأن نمتطي ذات الصهيل و أن لا نفك لجام خيل الله قبل بلوغنا الفتح العظيم.
وفي الختام نسأل الله عز وجل أن يتغمد شهدائنا بواسع رحمته وأن يسكنهم فسيح جناته وأن يجمعهم مع الأنبياء والصديقين وحسن أولائك رفيقا
الشهيد "عماد محمد أحمد شبانة" (أبا أحمد)