أسباب تكريم الانسان
لقد خلق الله عز وجل الإنسان وكرمه على باقي مخلوقاته { ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحرورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا } فضل الإنسان عندما خلقه من طين ونفخ فيه من روحه ، وفضله عندما أسجد له الملائكة الكرام ،وفضله عندما جعله محل الخلافة في الأرض { إني جاعل في الأرض خليفة } وفضله بأن علمه علم ما لم يكن يعلم { وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين } ، وفضله عندما تاب عليه ودله على باب التوبة { فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم } وفضله بإرسال الرسل للدلالة على مراده من خلقه { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } فلم يتركه في شطط العقل وتيه الاجتهاد المبني على الظن ، وفضله بأن جعله محل رحمته تتنزل رحماته على المخلوق الضعيف ، فيسخر له الكون ، فيقول له خلقت الكون مسخرا لك فلا تنشغل بما خلق لك عما خلقت له ، ويمتن على العبد بأن ميزه عن باقي المخلوقات بالعقل المميز ، وجعله مناط التكليف فبدونه لا يؤمر بأمر ولا يكون محل نهي ، ولا يخاطب بالشرع
فإذا استشعر العبد من هذه المكرمات ، وهذا التفضيل ما يؤهله للمكانة التي رفعه الله لها كان عليه أن يسأل : ما المطلوب مني وأنا الذي أعتلي هذه المكانة من الكون ؟ ثم لماذا وأنا العبد الضعيف تكون لي هذه المكرمات ؟
يأتيه جواب الوحي الصادق : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } لقد خلقت الدنيا من أجلك فلا تتعب ، وخلقتك من أجلي فلا تلعب .. الدنيا بما فيها من مخلوقات سخرت لك فلا تنشغل بها بعيدا عن كنف ربك ورعايته فتحيا النصب والتعب ويكون مآلك التيه بين مفاوز الدنيا والضلال بين أركانها المادية والمعنوية ، ولكن اعلم أنك مخلوق لمهمة محدودة ، هي أن تعي قدرك ، وتعمل لربك ، فقد خلقت لدور لوفطنت له أصلحت الدنيا ، وإن شغلك اللعب بالدنيا ، بمالها ، ولهوها ، وضياع الأعمار فيها أضعت نفسك وسفلت بقدرك وانتزعت منك أسباب التكريم الذي منحك الله إياه ، لأنك عشت للطين ، وأهملت النفخة التي كرمك الله بها أولا ،
واسمع إلى ربك يقربك إليه وبستره الجميل يتعطف عليك ويؤويك ، يؤويك بجانب الركن الشديد ، بجانب الرحمة ، والمغفرة ، والستر ، ومحبة العظيم الكبير المتعالي – سبحانه- { وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذ بي لأعيذنه} إن أداء الفرائض أمر الله التي يختبرك به لأنك مخلوق لتنفيذ أمره ولكن بحب ورحابة صدر لا أداء الكسالى المقعدين الذين تجذبهم المادة إلى الأرض ويمسهم الشيطان بوسواسه المخسر ، ثم يتدرج العبد في محبة ربه فيلتذ بقربه سبحانه وينظم ساعات عمره على أداء النوافل في يومه وليله فلا يسمع إلا ما يرضي ربه ، ولا يرى إلا مايرضي ربه ، ولا تتحرك يده إلا بما يرضي به ربه ، ولا تمشى قدماه وتسعى إلا في ما فيه مرضاة ربه ، فيكون من أولياء الله الذين لا يصدرون إلا عن مرضاته سبحانه فيعيش في أمن الله وإن أخافته الدنيا ، فلا يحزن على ما فاته منها لأن رضا الله أكبر عنده مما فاته من الدنيا من حظ صغير أمده قليل قدره فعنده الزاد الذي لا ينفد ، والذي لا تعدله أرقام الدنيا القصيرة ، فكم تساوي الوعود الدنيوية ، أو الأرقام التي يلهث الناس وراءها إذا ما قيست بالبشرى في الحياة الدنيا بالأمن من الشيطان وغيه ، ومن الفتنة فيها ، ثم الأمن في القبر من الفزع والخوف ، ثم الأمن من الحشر وغمه ، والحساب وشدته ، والصراط وزلته ، والله إن ذلك هو الفوز العظيم { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون ، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم }، والذي وعد الله أهله بالدفاع عنهم في الدنيا فقال { إن الله يدافع عن الذين آمنوا } يدافع عنهم فيحقظهم من الدنيا وأشرارها وغرورها فتكون في يده لا قلبه ، ومن الشيطان وأعوانه فيجد العون على الثبات على منهج ربه ، ومن الضلال فيدله على منهجه القويم فيحيا بالإيمان قانعا راضيا ، يحيا بين الناس يملك ، وينعم ، ويدل الخلق على الخالق ، يعطي ويبذل بالمعروف، ويجاهد نفسه،فإن قصر يتوب ويئوب لربه ، قلبه عابد لربه ،
{ قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين }