حقيقة استشهاد القائد سعيد صيام في حوارٍ مع أسرته
أم مصعب:
- ليس المهم كيف استُشهد وإنما المهم أنه حصل على ما تمنَّى
- كان مَرِحًا وُيدخل السرور علينا في البيت ويلاعب أولاده باستمرار
- تألَّم كثيرًا باعتقاله على يد سلطة أوسلو لصداقته مع كثيرٍ من قيادتهم
مصعب:
- طلب سلاحه قبل اغتياله بأسبوع وكان يرى أن الأطفال الشهداء ليسوا أحسن منه
- تأثَّر كثيرًا باستشهاد الشيخ ياسين والرنتيسي وبكى على القيادي صلاح شحادة
غزة- كارم الغرابلي:
الزهار وهنية والرنتيسي والشهيد صيام كانوا كالجسد الواحد، كيف كانت العلاقة بينهم؟ وكيف تأثَّر برحيل بعضهم؟ ** تقول أم مصعب: كانت العلاقة بينهما علاقة قوية ومتينة، فكل منهم يحب الآخر حبًا عظيمًا، يلتقون على طاعةِ الله ويفترقون على محبته وطاعته، وكانوا كالروح الواحدة، يتجالسون لأشهر، واجتماعاتهم تطيل لأيامٍ أحيانًا، والشهيد تأثَّر كثيرًا باستشهاد الشيخ أحمد ياسين والرنتيسي والشهيد إسماعيل أبو شنب؛ حيث تعايش معهم فترة عمل، كما بكى كثيرًا على استشهاد الشيخ صلاح شحادة.
* عندما كانت توجه للشهيد بعض الاتهامات بمسئوليته عن بعض الأحداث الداخلية، كيف كان يتابعها؟ وهل كانت تؤثر على نفسيته؟** يقول مصعب: كان يتوقع كل شيء، إلا أنه لم يتأثَّر بأيٍّ من الاتهاماتِ التي كان توجَّه له ولا يأبه لها، كما كان يؤمن بضرورةِ استمرار المشروع الإسلامي والوطني والدعوي وحمايته مهما كان الثمن، وكان واثقًا في تعامله مع الآخرين، يريد أن يخدم أبناء وطنه برموشِ عيونه من خلال القضاء على الفساد والفلتان الأمني الذي استشرى في تلك المرحلة.
* ما أكثر شيء كان يحرص عليه الشهيد أبو مصعب؟** مصعب: أبي رحمه الله كان يحرص على أن يحوز رضى الله أولاً، وكان زاهدًا في الدنيا، ومن الأمور التي كان يحرص عليها العبادات وصلة الأرحام مع الأقارب والجيران.
* ما العبارات التي أُثرت عن الشهيد وكان دائمًا يرددها؟** كان دائمًا يردد عبارة "كلنا مشاريع شهادة"، ويردد أبيات القصيدة "صبرنا صبر الخشب تحت المناشير" إلى جانب أنشودته المحبوبة "يا معشر الإخوان لا تترددوا عن حوضكم حيث الرسول محمد".
* سألت مصعب: هل كنت تتوقع استشهاد الوالد وتحمل عبء البيت؟** بالطبع كنت أتوقع استشهاده، وأصبحت لدينا قناعة بأن كل قيادات المقاومة هم مشاريع شهادة واستشهاد، وأن قيادة العالم تبدأ من هذا لطريق، والوالد كان شغوفًا بالشهادة ويتمناها باستمرار.
* الكيان قال إن اغتيال أبو مصعب إنجاز كبير وقضى على نصف حماس، ما ردكم على هذا الادعاء؟** يقول مصعب: شهادة والدي كانت وقودًا جديدًا لدعم ومساندة المقاومة وزادت من شعبية الحركة جماهيريًّا وشعبيًّا، وبالتالي الاحتلال باغتياله القادة يُعجِّل من نهايته وهزيمته واندحاره.
سعيد صيام رجل حماس القوي.. سعيد صيام هو الذي أعطى إشارة البدء في معركة الحسم العسكري في غزة.. سعيد صيام أحد صقور المقاومة وحماس.. سعيد صيام أحد عقبات الحوار الوطني الفلسطيني.
هذا ما يردده الإعلام الفتحاوي عن الوزير الشهيد سعيد صيام الذين قابل محبِّوه ومعجبوه خبر استشهاده بفرحةٍ ممزوجةٍ بالحزن.. فرحة لأنه استشهد في ميدان المعركة، وهو- إن شاء الله- مع النبيين والصديقين والشهداء، وحزن لأنه رجل قلَّما تجد مثله؛ فهو كان وزير داخلية في أشد بقاع الأرض سخونةً؛ ضبط النظام في غزة؛ حيث العملاء والمنفلتون والمتآمرون.
عندما جاء لزيارة مصر بعد تشكيل أول حكومة لحركة حماس أوقفته السلطات المصرية ولم تستقبله كوزيرٍ في حكومة مُعتَرَفٍ بها، رغم أنه كان في زيارة رسمية، فما كان منه إلا أن همَّ بالرجوع إلى وطنه مرةً أخرى، وعندما فطنت السلطات المصرية للخطأ تداركت الموقف وسيَّرت إليه المواكب لاستقباله.
رفض المزايدة على قضيته وقضية وطنه.. كان شديدًا ولكن في الحق، لم يتهم بالسرقة أو الفساد أو تصفية الحسابات رغم أنه كان وزيرًا للداخلية.. جمع فصائل المقاومة في قوة واحدة لضبط الأمن داخل غزة والضفة، وهو ما أزعج جناح الضفة، وكانت المعركة ضده وضد كل رموز المقاومة.
إنه الوزير الشهيد الذي أخرس باستشهاده كل الألسنة التي كانت تقول إن قادة حماس مختبئون في الخنادق ويضحون بأرواح شعب غزة.
سعيد صيام كان إنسانًا متواضعًا محبوبًا، وكما يقول اللفظ المصري "راجل جدع"؛ له العديد من المواقف المحفوظة في ذاكرة أهله وأقاربه وجيرانه.
د. موسى أبو مرزوق
قال عنه الدكتور موسى أبو مرزوق في لقاءٍ باتحاد الأطباء العرب بعد أول حكومة لحماس، واتهامها بالتربح على حساب الشعب الفلسطيني، فقال وهو يشير بيديه إلى أبو مصعب الذي كان يجلس بجواره؛ إنه طلب منه 200 دولار على سبيل السلف؛ لأنه مدين لأستاذ جامعي يسكن بجواره في غزة بهذا المبلغ، ولا يستطيع أن يسدده، وإن صيام انتهز فرصة لقائه بالدكتور موسى ليقترض منه المبلغ إلى حين ميسرة.
هذا هو الوزير الشهيد أبو مصعب الذي نكشف عن جوانب أخرى من حياته في هذا اللقاء الذي أجريناه مع زوجته وابنه مصعب، وبدأناه بسؤالٍ عن سعيد صيام الزوج والإنسان.
** فقالت أم مصعب: حقيقةً.. كان الشيخ سعيد نعم الزوج والأب؛ كان الزوج المُحِبَّ والأب الحنون العطوف الذي لا تشغله أعباء عمله عني وعن أبنائه؛ يحب أولاده حبًّا عظيمًا، كان يعاملهم كأصدقاء، ويربِّيهم على الإيمان وحب الوطن، ويزرع في نفوسهم الشجاعة والكرامة، كان يلاعبهم ويمزح معهم، ويضفي على البيت جوًّا من المرح والسرور، وكان الزوج المخلص.. حياتنا كانت قائمةً على التفاهم والوفاق والسعادة.
صحيحٌ أننا تأثَّرنا باستشهاده، ولكن كانت هذه أمنيته، وقد نالها، وقدَّر الله، وما شاء فعل، والحمد لله رب العالمين الذي شرَّفنا باستشهاده بعد أن تعلَّمنا منه الصبر والثبات والسلوان.
* وكيف كان وقع خبر اغتيال الشيخ سعيد صيام على العائلة؟** أجابت أم مصعب: منذ اللحظة الأولى لتحديد موقع ومكان القصف شعرنا أنه المُستهدَف، وحمدنا الله على تشريفنا باستشهاده، وقد أنزل الله علينا الصبر والسلوان والطمأنينة؛ لأننا نعلم أن الطريق التي اختارها أبو مصعب هي إحدى الحسنيين إما الشهادة وإما النصر، وقد رزقه الله بالشهادة التي كان يتمنَّاها، ولطالما ألحَّ على الله بأن يرزقه إياها.
** ويضيف نجله مصعب: حين جاء خبر استشهاد الوالد- طبعًا كأي ابن- حزنتُ، ولكن استدركت الأمر وشكرت الله على هذه النعمة التي أنعمها الله على والدي التي لطالما تمنَّاها، وصحيحٌ أن والدي ترك فراغًا كبيرًا وعبئًا، ولكننا نسال الله أن يعيننا على حمل هذه الأمانة وإكمال رسالته التي غرسها فينا منذ الصغر.
* هناك روايات عدية رُويت عن حادثة الاغتيال، فما الحقيقة كما تعرفونها؟ ** قالت أم مصعب: سمعنا روايات وقصصًا كثيرة، ولكن أولاً وأخيرًا هذا قدر ومشيئة الله، وقد جاءه الأجل.
** ويضيف مصعب: تعلم أننا كنا في أجواء حرب، وكانت السماء مُلبَّدةً بالطائرات بمختلف أنواعها.
صحيحٌ أن والدي أخذ بجميع الاحتياطات الأمنية، ولكن الفترة الأخيرة كانت ثقافة الشهادة مسيطرة عليه تمامًا وتراوده في كل وقت، وكونه وزيرًا للداخلية فكان يتابع كل كبيرة وصغيرة في ميدان الحرب فيما يخص الأمن وعمل الأجهزة والأمنية، وإعطاء التعليمات، وكل هذه الأمور تحتاج إلى تواصل؛ ولذلك يجوز أنه كان مراقبًا من الطائرات أو العملاء، وأخيرًا قدَّر الله وما شاء فعل.
* في الأيام الأخيرة.. هل كان هناك تواصل مع الشهيد أبو مصعب؟** تقول أم مصعب: كان هناك تواصل بواسطة أخيه؛ حيث كان يخبرنا بأخبارهم وحالهم ويطمئننا على وضعه.
* لو عدنا قليلاً إلى الوراء.. ما هي آخر اللحظات في حياة الشهيد أبو مصعب؟** يقول مصعب: عايشته قبل استشهاده بأسبوع؛ كانت ثقافة الشهادة مسيطرةً عليه في أيامه الأخيرة كما أسلفت، حتى إنه- وبشكلٍ غريبٍ- طلب مني في أحد الأيام، وبينما كنا في بيت أخيه العودةَ إلى بيتنا ومكتبه لنيل الشهادة بالطريقة التي اختارها الدكتور نزار ريان.
كان يحدِّثني في اللحظات الأخيرة عن خططه لما بعد الحرب وإعادة بناء ما تم تدميره، كان حزينًا ومتألمًا ومتأثرًا جدًّا على الشهداء من المدنيين والأطفال، وفي آخر أيامه طلب مني إحضار سلاح الـ"كلاشنكوف" للنزول إلى جانب المقاومة والدفاع عن غزة.
** وتستطرد أم مصعب: في آخر لحظات حياته كان يتمنَّى الشهادة، وقبل الخروج من البيت طلب جواز سفره كإثباتٍ للتعرف عليه في حال استشهاده، وكثيرًا ما كان ينظر إلى صور الشهيدين أحمد ياسين والدكتور الرنتيسي الموجودتين في منزلنا ويحسدهما على الشهادة، وكان متخوفًا من ألا يرزقه الله الشهادة.